هنا الشارقة

الرسالة وصلت

عساكم لاحظتم في المقالين الماضيين أني توقفت كثيرًا عند رسالة القيم الإنسانية التي خلفها المونديال القطري عند جماهير العالم، تلك القيم التي تبلورت من التنظيم والضيافة، ومن المشاركة المشرفة لمنتخب "أسود الأطلس" ،فكلاهما أكمل الآخر عند مستقبلي تلك الرسالة التي ما كانت لتصل بقوة هكذا لو لم تكن القيم جميلة ورائعة، ولو لم يكن هناك نصراً على الأرض لمنتخب عربي يحمل اللواء ويضرب المثل عمليا بسلوك لاعبيه.
 
ولا أذيع سراً إذا قلت أني ما فطنت بسرعة لقيمة هذه الرسالة إلا لأنها كانت أول وصية أوصاني بها سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة عندما شرفت برئاسة المجلس الرياضي، إذ كانت توجيهات سموه مباشرة ومحددة، بأن تكون للرياضة رسالة أخلاقية تذكي المثل والمبادئ بغض النظر عن حسابات الفوز والخسارة، وعسى مابين أيدينا الآن من ردود فعل متباينة لدى شعوب عالم الكرة ، أكبر برهان على عظمة هذه الرسالة التي اعتبرتها الإرث الخالد للمونديال.    
 
لقد كانت ردود الفعل شتى وفي كل الاتجاهات، لكني سأكتفي اليوم بمثلين أراهما أبلغ من سواهما لأنهما من نجمين كبيرين، وقد بدا في اللحظة التاريخية للحدث المونديالي أن الأول وهو "ميسي"، وما أدراك ما ميسي في عالم وتاريخ كرة القدم؟ يسلم راية التألق في ملاعب اللعبة لـ"مبابي" ابن الثالثة والعشرين، فالأول "بالبشت" العربي من فوق منبر الاحتفال باللقب العزيز قال للعالم أنه رأى في المحفل القطري مالم يره في كل المونديالات الماضية، أما الثاني أو  النجم القادم "مبابي"، فقد كان مستاءً من ردة فعل مدربه ديشان تجاه زميله كوامي بعد أن أهدر ضربة الجزاء، إذ لم يختلف فيها عن أي مشجع متعصب في المدرجات، مع أن ضربة الجزاء من الوارد اهدارها ونجوم كثيرون أشهر منه أضاعوها في لحظات لا تقل حرجا عن تلك، فالإثنان توقفا عند الخلق والسلوك ورغما عنهما، استغرقا في بحث الأسباب التي وراء تلك الفروق، فكانت القناعة طواعية بأن الثقافة العربية مختلفة عن ثقافتهم، وأن ما يتم ترويجه عنهم ليس صحيحًا بالمرة، فتعاملاتهم فيها سماحة وحب وسلام، وقيمهم الإنسانية تتجلى سلوكاً جميلًا داخل الملاعب وخارجها.
 
إنه "صدام القيم"، الذي أحدثه المونديال العربي، ما بين الشرق بإشراقاته التربوية الجميلة، والغرب بأفكاره وتقليعاته الغريبة، والرسالة هكذا وصلت على أحسن ما يكون